أدرك لبنانيو المتصرفية، منذ عهد مظفر باشا، أن العلم رمز للوطن. فقد كتب، عهدئذ، شاهين الخازن يقول: " لا شيئ يؤخر حكومة لبنان عن أن تعمل خريطة للبنان تشير الى حدوده... وتقيم فواصل ومخافر على تلك الحدود تعلوها الراية العثمانية وعليها غصن أرز تمييزاً لها وإقراراً بنِعم الدولة العلية وبالإمتياز اللبناني..."
فكرة العلم
كان ذلك عام 1913، عندما راودت اللبنانيين فكرة تصميم علم لبناني ، وأصبح هاجسهم السياسي الأول.
ولما لم يكن لمتصرفية جبل لبنان علم خاص بها، قرر بعض المهاجرين، بعد إقدام الألبانيين على إعلان استقلالهم عن العثمانيين ورفع علمهم، اختيار علم خاص بلبنان. يذكر أن ألبانيا كانت تخضع للحكم العثماني، كما لبنان.
واستندوا في ذلك الى كون "لبنان" بلاداً مستقلة، لها نظام خاص صادقت عليه الدول الكبرى ، ولها حدود معترف بها، ويحميها جنود وطنيون، ويجري العدل فيها قضاء لبنانيون، ويرعى مصالح العباد مأمورون أهليّون، ويقوم فيها مجلس نيابي لبناني منتخب يدير شؤون البلاد والعباد.
البرازيل – 15 كانون الثاني 1013
رأى اللبنانيون المهاجرون أن هذه المرتكزات الإستقلالية تخوّلهم رفع علم لبناني أسوةً بالبلدان العثمانية المستقلة مثل ساموس وكريت ومصر. واعتقدوا ان العلم الجديد يجب ان يكون غير العلم العثماني الذي يظللهم. ويجب ان يكون علامة سلام ومحبة ومجد وثبات. ورأو ان الأرز الخالد يجسّد هذه الفضائل.
لهذا اقترح الصحافي شكري الخوري، صاحب جريدة "أبو الهول" العلم اللبناني الأول، وزيّن به جدران جريدته والعدد الصادر في ساو – باولو في 15 كانون الثاني 1913، وهو كناية عن خرقة بيضاء تتوسطها أرزة خضراء.
ثم طالب سفراء القرار باعتماد العلم رسمياً وجعله بنداً من بنود الإصلاح التي كانوا يتداولون فيها.
لقد أراد المغتربون ان يكون علمهم شعاراً تمتاز به البلاد عن غيرها، وتعرف به ايضاً عند كل الشعوب، ليعلم كل لبناني عندها " لبناني فقط".
انتشرت جريدة أبو الهول وتواردت الى مكاتبها رسائل الإستحسان والتجاوب مع رمز الوطن الجديد. وأبدى أصحاب هذه الرسائل رغبتهم في رفع العلم في أوقات الإحتفالات والأعياد.
وبالفعل انتشر هذا العلم اللبناني الأول في الإغتراب اللبناني، واعتمدته الجاليات اللبنانية وفي طليعتها "جمعية النهضة اللبنانية" في الولايات المتحدة الأميركية. و" الجمعية المارونية اللبنانية" في لوخان من ولاية مندوسا الأرجنتينية، الا أن انتشاره في الوطن الأم بقي حلماً راود مخيّلة اللبنانيين الطامحين الى الإستقلال . فرَفعُ هذا العلم في متصرفية جبل لبنان من دون اتفاق واقرار دولي موقف خطير يترتب عليه محاظير كثيرة ليس أقلها الملاحقة والمحاكمة.
من منشورات قسم الدراسات التاريخية - الجامعة اللبنانية
كتاب : اليوبيل الذهبي لإستقلال لبنان - بيروت 1996
شكر خاص لعميد كلية التاريخ السابق في الجامعة اللبنانية
الدكتور عبدالله ملاّح