أهو القدر... ام صدفة الحياة ؟؟؟
اجتمعت المآسي في أسبوع واحد... قيّض لأواخر أيام شهر رمضان المبارك أن يكون شاهداً على دموع آلاف المواطنين العرب. وقيّض للبنان أن يشهد على هذه الدموع.
من الموصل الى غزّة الى لبنان... الحزن واحد.
لم يكف لبنان أن يكفّف دموع أبناء أشقائه العرب الهاربين اليه، طالبين سقفاً وزاوية أمان، حتى فُجع البارحة باستشهاد تسعة عشر لبنانياً على أرض مالي التي احتضنت دماؤهم الطاهرة.
من سيعزي من ؟؟؟
لا جواب حتى الساعة...
وحده لبنان الصغير بحجمه، الكبير بقلبه، يستوعب مصيبته ودموع هؤلاء المساكين اللاجئين اليه، الباحثين عن مرقد عنزة يقيهم ظلم " الدواعش" وإجرامهم.
بعد أحداث 1860 الدامية التي حصلت في لبنان، شهد جبل لبنان ثورة في العمران والإزدهار، وعمّ الأمان في جميع أنحاء البلاد، ما جعل سكان البلدان المجاورة تنظر الى هذا البلد الآمن، الجميل بمناخه، وتحسد أهله على روح الهناء والهدوء والطمأنينة التي ينعمون بها، قائلين: " نيّال مين لو مرقد عنزة بلبنان"، حتى ولو كان منزلاً صغيراً مساحته تساوي مساحة بيت العنزة الصغير.
عام 1980، شهد لبنان ثورة عمرانية بفضل عائدات المغتربين الذين وصلوا الى الأميركيتين وراحوا يرسلون الأموال الى ذويهم. وبفضل هذه الدولارات، تحولت الأقبية الى منازل وشرفات، ولاحت الطرابيش الحمر، وصارت " سطيحاتنا حمرا".
عام 1920، عاد مقولة " نيال مين لو مرقد عنزة" تتناقل على ألسنة اللبنانيين في الخارج، الذين هربوا الى الولايات المتحدة جراء الحرب العالمية الأولى. وكانت المفاجأة حين وجدوا البرد القارس في أميركا الشمالية، والحر المحرق في افريقيا، فراحوا ينشدون المقولة يومياً:" نيّال مين لو مرقد عنزة في جبل لبنان".
وها هو التاريخ يعيد نفسه...بعد قرابة قرن، ومع ظروف الحرب المتشابهة، لبنان يستقبل بالآلاف لاجئي الموصل وسوريا، العراق وفلسطين... ويودع أبناءه في أرض مالي البعيدة...
كبير يا لبنان !!!
كبير في عظمتك، في حزنك، في تاريخك وفي أبنائك...
كبير يا لبنان... تحتضن دموع المظلومين في كل زمن وجيل، تقيهم حرّ نيران بلادهم، وبرد ضمائر الحكّام. وستظل الى ما بعد بعد التاريخ الآتي، مرقد عنزة جميع الموجوعين في العالم.