سمر نادر - نيويورك
كم تمنيت أن يكون موعد طائرتي كالعادة عن الفجر حين أغادر الى اوروبا قبل الإنطلاق الى الولايات المتحدة. لكن الصدفة جاءت حين نقلتني شركة الطيران على متن طائرة فرنسية بعد الظهر، لأفاجئ بهذه الصورة التي حُفرت في ذاكرتي قبل أن تلتقطها "كامرتي" من نافذة السيارة حين كانت عائلتي توصلني الى المطار.
نعم انها صورة من مدخل مطار بيروت. ليست من مدخل ما يسمّى بالكرنتينا او أحد مكبّات الوطن الذي أصبح بحد ذاته أشبه بمكبّ لكل وساخات الفساد التي تتناقلها وسائل الإعلام يومياً في أقاصيص جديدة متجددة وفضائح لا تحصى ولا تعدّ.
نعم هذه الصورة هي من مدخل مطار بيروت، هي آخر صورة يحفرها المسافر في ذهنه، سواء كان لبنانياً مهاجراً او ضيفاً كريماً جاء ليدرس كيفية وضع استثمار له في " سويسرا الشرق ". هي أخر صورة للمسافر يراها حين تقترب عجلات سيارته من الحاجز ليلقي التحية على العسكري المحاط بكافة أنواع قناني المياه والمشروبات الغازية وأكياس النفايات.
وراودني سؤال: هل يسافر معظم السياسيين والقيّمين على بلدية بيروت في الليل ؟ ألم يروا أو أخبرهم أحد بهذه الجريمة بحق المسافرين من مطار بيروت ؟ انها جريمة بحق لبنان الأخضر أولاً، او الذي كان أخضراً وقد يبس بفضل التنظيم المدني الفعّال. جريمة بحق قلب اللبناني المغادر وهو يترك كل أحاسيسه وعواطفه عند هذا المدخل الموبوء. جريمة بحق الإقتصاد الللبناني الذي يجاهد لإقناع رجل أعمال ومال للإستثمار في " ست الدنيا" ، ستّ الجمال والضيافة واللباقة.
رحمة بنا يا بلدية بيروت، رحمة بنعمة الله الذي منحنا سلسلة جبال لبنان التي تحرس البحر منذ الأزل، رحمة بالمغادرين من مطاركم، مطار الرئيس رفيق الحريري، الذي فكر في أول مشروع، أن يبني مطاراً حضارياً، وهو أول صورة يراها الزائر وآخر صورة يحفظها المغادر، أرادها أن تكون على صورة ومثال لبنان، بلد الإشعاع والعلم والجمال ..
ألم تشاهدوا ايها القيّمون على بلدية بيروت ومطار الدولي مداخل مطارات العالم ؟ ألم يسافر أحدكم الى الخارج ويرى كيف تُصان مداخل بلدانهم ؟
رحمة بنا أيها القيّمون على مدخل بوابة لبنان الى العالم، رحمة باللوحة التي تحمل كلمة " المطار" ، وقد خانتني كامرتي قبل أن تلتقط آرمة المطار الساقطة على أسفل العامود الحديدي وقد نما عليها العشب البرّي !!! أنقذوا اللوحة، ارفعوها الى الأعلى. انها اللوحة التي يغلق المسافرون عيونهم عليها قبل ان يدخلوا مبنى المطار. ارفعوا اللوحة ، ارفعوا قلوبنا الى فوق.
لقد تركت قلبي في لبنان.. لقد بقي هناك، عند الآرمة ، وعلى الأرض !